سأعيش في جلباب أمي...
..
لا زالت ذاكرتي طرية جدا ـ بحكاياتها
بعد أن عاشت صباها في احدى قرى جنوب فلسطين
في بيئة يسيطر فيها الذكر والاعراف بشرطها القاسي ..
كانت المرأة شريك اصيل للبقاء
وتجاوزت نصف اليد العاملة في تلك الحقبة
وحضورها وقدرها كان يمثل توازن"
انعكس في احداث الاثر وإثراء العائلة في تلك البيئة
المنفتحة على الفاقة والجوع.
قالت امي : كان العمل وليس غيره هو عنوان يوميتنا
كنا نعد برنامج الشقاء في ليالي الصيف والشتاء بلا كلل
اوتراجع او تهاون "هناك صبغة اجتماعية واعراف "
يجهلُ بعضها ويسمو بعضها..
كانت بعض الحقوق مغلفة بالعرف اكثر من الدين
وظلم الاهل وقسوتهم كان جزء من فهمنا لثقافة الخوف!.
ومع ذاك كان لنا نصيب من قصص الحب
ومساحة من الفرحة والاُنس" نستخرجها عنوة او نختلقها
لنعيش الحياة ... فيحضر الشعر والرقص والجمال في
تفاصيل اشياؤنا الرثة واحلامنا البسيطة..
كانت المرأة غالية "ليس كما تدعون!.
كانت تحلى بأغلى الاثمان "
يُخطب ودها بحضور رجال القبائل وتقام من اجلها مجالس
الصلح والحرب ... ويضرب بها المثل فهي "ام الرجال"..
كان لنساء القريه ارادة قوية وكبرياء وعزة نفس
و رغم المرض وضعف اجسادهن الا ان لهن شراكة
في رد المظالم و في النزاع والخصومات..
كُنا محاربات ... ولنا غنائمنا في ذاك المجتمع المغلف
بفكرة .. الاصيلة.. "
انظر الى تقاسيم الحياة قد وشمت في أيدينا واصواتنا
وإلى نزعة الحشمة والحياء التي لا تفارقنا
وان صافحت وجوهنا وجوه الغرباء".
'
قبل عام ماتت امي وهي تناهز السبعين من عمرها ..
كانت تترحم على "ايام الشقاء" بعد ان لآكتها حياة المدن
المرة المغلفة بالذكريات والنقص ومدنيِّة الاحجار والافكار.
طفت بعدها الارض ... وجدت "امي" بثيابها الرثة وفاقتها
في جبال تركيا تقطف الشاى وتحتطب للشتاء
رأيتها في قرى الاردن ومصر تسكن الحجر وتحرث الارض
لمحتها في مرتفعات صنعاء تحمل التراب وتحصد القوت..
سمعت صرختها وهي ترهب الرجال في فلسطين وتحمل
الحجر وتنجب المقاتلين, وتلعن الجبناء..
عجبت لصبرها والمها في صحاري افريقيا القاحلة وسهول
الشام و العراق الجريح.. ولازلت أراها في كل ارض ..
كانت المرأة شريكا حقيقا في صنع الحياة واقتسام القدر..
لذا سأعيش في جلباب امي التي لازالت
تعيش بلا رتوش وزيف ونفاق.
ولن اشرُف بأم تدعي الحرية وتبحث عن المساواة
وهي عارية خلف قنوات التواصل الاجتماعي..
ولا ام ٍ تطارد الحفلات واضواء المطارات
لتقيم صداقاتها في اقصى الارض
لا أم الهبها الحب والشوق على منصات الزور
لا يروى شبقها كل رجال الارض
ولا ام باعت ضميرها وانسانيتها وافنت حياتها
تتسول الشهرة والنجاح على حساب كل فضيلة..
ولم تعرف معنى للعطاء وألم التضحية الا في
دموع رخيصة تسكبها بعد ان تجاهلها
جميع "اصدقائها" وانفضوا من حولها.
.
خليل ✍ الصمت